د أيمن يسري يكتب: الغذاء القاتل…عندما يتحول الطعام اليومي إلى سبب للموت

مدير إدارة المشروعات والتخطيط – معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعية – مصر

مثل أفلام الرعب عندما تتحول الفتاة الرقيقة الجميلة أو القطة الصغيرة الوديعة إلى شبح بشع يسبب الهَلَع للجميع، قد يتحول الغذاء اليومي الذي نتناوله بدون تفكير إلى أداة لقتلنا.

كم مرة سمعت عن موت إنسان عزيز بسبب أنه زاد في الغداء أو كان يتناول -لفترة طويلة- عدة أرغفة من الخبز أكثر مما يحتاجه الجسم؟

لماذا تزيد الوفيات في مصر في بعض المواسم؟ في عيد الفطر بسبب كثرة تناول الكعك والبسكوت، وفي عيد الأضحى بسبب الإكثار من تناول اللحوم، وفي شم النسيم بسبب تناول وجبة فسيخ فاسدة؟

لذا تناول الطعام قد يُودِي بحياتك على الفور إذا تناولت وجبة سامة، أو الموت البطيء إذا أكثرت من الدهون والسكريات والنشويات أو أكثرت من الأغذية المحفوظة بمواد تسبب السرطان، أو تناولت خضروات وفاكهة مرشوشة بمبيدات أعلى من المسموح به عالميا.

من أين نحصل على السعرات الحرارية المطلوبة لممارسة نشاطنا اليومي؟

تناول الطعام المصدر الرئيسي لحصول الجسم على الطاقة، وفي حالة عدم تناول الطعام يبدأ الجسم بالاستفادة من الجليكوجين المخزن في العضلات والكبد، وعندما ينفد الجليكوجين من العضلات والكبد يبدأ الجسم بتكسير الدهون والاستفادة منها في الحصول على الطاقة، أما إذا نفدت الدهون فيستفيد من بروتينات العضلات مما يهدد الوظائف الحيوية وصحة القلب، حيث إن القلب عبارة عن عضلة إذا سحب منها البروتين ضَعُفَ، وقَلَّ ضَخُّ الدم إلى أعضاء الجسم الأخرى، مع العلم بصعوبة تعويض البروتينات المفقودة من العضلات.

الغذاء السبب الرئيسي لهلاك الإنسان

خلال فترات التاريخ كان الغذاء السبب الرئيسي لهلاك الإنسان، سواء بِقِلَّتِهِ فتحدث المجاعات ويموت البشر جوعا، أو بزيادته بسبب أمراض السمنة والقلب والشرايين.

خطورة الطعام تكمن في أنه عمل يحدث يوميا طوال عمر الإنسان، فتناول علبة غذاء محفوظ به مادة الحفظ المسرطنة لمرة واحدة قد لا يحدث ضرارا كبيرا، أما تناولها لمئات المرات فهو الموت المحقق.

كما أن تدخين سيجارة واحدة لن يسبب ضررا كبيرا، أما استمرار هذه العادة لعدة سنوات فهو المسبب الرئيسي لسرطان الرئة.

إن الشركات تحرص على أمر واحد مع الزبائن هو تحويل استهلاك منتجاتها إلى عادة يومية، فهذه هي مغارة على بابا المليئة بالكنوز والمجوهرات، فمجرد تحول التدخين إلى عادة يومية لملايين البشر كسبت شركات الدخان ملايين الدولارات.

تَعَوُّد الأطفال والشباب على تناول المياه الغازية مع الوجبات، جَلَبَ الذَّهبَ والأموالَ لأصحاب الشركات، وضمن للشباب الأمراض والعجز والشيخوخة المبكرة. ملايين البشر بجهلهم أصبحوا ضحية الإعلانات وجشع الشركات.

اتباع النظام الصحي في تناول الغذاء يُفْقِدُ شركات المياه الغازية ملايين الدولارات

مشكلة الغذاء الضار تكمن في العادة والتكرار، وهذا ما تحرص عليه شركات المياه الغازية فزيادة أرباحها تتوقف على تحول تناول المشروبات الغازية إلى عادة يومية لملايين البشر؛ مما يحقق لها أرباحا تتجاوز ملايين الدولارات، ولا يهمها النهاية المفجعة للإنسان بأمراض السكر والسمنة والقلب وإفساد حياة الإنسان بتحوله إلى كتلة من الشحم منهكة لعضلات القلب، ويتحول إلى سجين هذه الكتلة الدهنية التي تمنعه من الاستمتاع بالحياة. إذا اتبع البشر النظام الصحي في تناولهم للغذاء وأكلوا مثل أجدادهم القدماء من الطبيعة؛ فسوف تتأثر أرباح اصحاب المطاعم ومتاجر الحلويات والمخبوزات والعصائر وشركات الأغذية المحفوظة.

يجب أن يكتب على معلبات الأطعمة كما في علب السجائر أنها “ضارة بالصحة” إذا استخدمت بكميات كبيرة، وهذا لن يحدث أبدأ لأن أرباح الشركات تزيد كلما تناولت منتجاتها الضارة والقاتلة.

الخبز القاتل:

يُسهم الخبز في الحصول على الاحتياج اليومي للجسم من الطاقة اللازمة لممارسة الأنشطة اليومية، ويحتوي على العديد من الفيتامينات والمعادن، ولكن من المحتمل أن زيادة رغيف واحد عما يحتاجه جسمك لعدة سنوات قد يتسبب بموتك، فهذا الرغيف الزائد عن حاجتك لن يتحول إلى طاقة ولكنه سيخزن في جسمك على هيئة دهون ضارة فتناول رغيف خبز واحد يعادل تناول 15 ملعقة سكر.

ماذا لو زادت كمية الطعام عما نحتاجه أين تذهب الكمية الزائدة من الطعام؟ إنها تذهب للتخزين كجليكوجين في العضلات والكبد، وعند الزيادة الكبيرة تتحول لدهون تتراكم في أعضاء الجسم وخصوصا الشرايين، وقد تتحول إلى أداة قتل إذا سدت الشرايين الحيوية مثل الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب أو تسبب جلطات في المخ.

يسأل البعض رغم أني لا أتناول الدهون ولكني أعاني من زيادة وزني؟

ليس من الضروري تناول الدهون لزيادة وزنك، يكفي أن تزيد كمية السكريات والنشويات عما تحتاجه بالفعل. أي سكريات زائدة عما تحتاجه في أنشطتك اليومية يتحول إلى جليكوجين ودهون مما يسبب السمنة.

الامتناع عن الطعام عند الحيوان

حاول الاقتراب من حيوان مفترس تناول وجبته للتو فلن ينظر إليك، ولن يحاول افتراسك لأنه لا يأكل إلا إذا شعر بالجوع، وقد يصوم الحيوان لعدة أيام إذا شعر بألم في معدته، ولن يأكل إلا إذا تحسنت حالته أما نحن فمواعيد الأكل عندنا مقدسة فللطعام وظائف اجتماعية؛ فاجتماع شمل الأسرة على الطعام من أجمل الأشياء التي يستمتع بها البشر، والتهام الولائم في المناسبات الاجتماعية من الطقوس المقدسة، وعدم الأكل مع الضيف قلة ذوق، والمبالغة في كمية ونوعية الطعام من علامات السخاء والكرم، فمعظمنا يتناول طعامه قبل الشعور بالجوع؛ مما يسبب مشاكل صحية كثيرة بسبب المجاملات الخاطئة. ويجب إضافة المخللات ليزيد شهيتك للطعام وتأكل أكثر مما تحتاج!

 بعض الناس يعانون من مشاكل نفسية وإحباط ويصبح الطعام هو متعتهم الوحيدة في الحياة. نحن نأكل عندما نشعر بالسعادة، ونأكل عندما نشعر بالإحباط، ونأكل عندما نشعر بالملل، ولا نجد ما نفعله وللأسف نأكل ونشرب ما يضرنا ولا ينفعنا.

هل أجسام البشر في حاجة لهذا الكم من السكر والنشويات المعروضة في متاجر الحلويات؟

تناول سكر المائدة والعصائر بكميات كبيرة يرفع نسبة السكر في الدم بسرعة كبيرة دون تدرج، مما يرفع من هرمون الانسولين المسئول عن تنظيم السكر في الدم، ودفع الجلوكوز داخل الخلايا لتحويله إلى طاقة أما ما يزيد عن حاجة الإنسان فسوف تتحول إلى دهون تترسب حول أعضاء الجسم وداخل أوعية الدم وتسبب الضغط وأمراض القلب.

وأكل ما تنتجه متاجر الحلويات بكميات كبيرة لا يستفيد منه سوى مالك المتجر وأطباء القلب والأوعية الدموية وشركات الأدوية التي تعالج ارتفاع الدهون الثلاثية والكوليسترول، أما الزبون المسكين فسوف يعاني من السكر والضغط وأمراض القلب إذا أدمن هذه الأصناف.

يغفر الله أخطاءك أما جسمك فلا يغفر

يغفر الله الذنوب والخطايا أما الجسم فلا يغفر لك، فكل ما تتناوله من طعام يتعامل معه الجسم، وإذا زاد عن المعدل المطلوب فقد يسبب لجسمك أضرارا قاتلة. كما أنك لا تسمح بدخول أي إنسان إلى منزلك، فبالمثل لا تسمح بتناول أي طعام إلا إذا فحصت مكوناته، وتأكدت من خلوه من المواد الضارة والمسرطنة.

ليس من المعقول أن يخلق الله الإنسان ليعذبه، فكل من حولنا يشتكي من مشاكل صحية لا تتناسب مع أعمارهم الشابة، فمن المؤكد أننا نفعل شيئا خاطئا أو نفعل الأشياء بطريقة خاطئة، مما يدمر أجسامنا وصحتنا. إذا ذهبت إلى الجبال والبادية فسوف ترى كهلا في عمر الثمانين يتحرك مثل الشاب الصغير، ويستمتع بكل أنشطة حياته، لأنه يعتمد في غذائه على الطبيعة، ولا يتناول من الطعام أكثر مما يحتاجه، على عكس العادات الغذائية الخاطئة والقاتلة في المدن والقرى.

إذا كنت تمارس أنشطة كثيرة في يومك فتناول غذائك بحرية، فكل ما تتناوله سوف يتم حرقه أثناء ممارستك لأنشطة حياتك، وهذا لا يحدث لأغلب البشر فمعظم البشر أعمالهم كتابية مريحة، وفي أوقات الفراغ يجلسون أمام التلفاز أو شاشات الكمبيوتر والمحمول يشاهدون الأفلام والمسلسلات مما يتطلب تقليل ما يتناولونه من طعام إلى أقل حد، وهذا أيضا لا يحدث فإعلانات الحلويات والمياه الغازية والمأكولات السريعة تنهمر علي المشاهد أثناء جلوسه أمام التلفاز؛ فيتناول ما لذّ وطاب وهو جالس لا يفعل شيئا، حتى إنه لا يبذل مجهودا لحصوله على الطعام أو إعداده، فعامل المطعم وعامل التوصيل سوف يقوم بهذا الجهد بدلا عنه.

ماذا افعل لتجنب المشاكل الصحية الناجمة عن التغذية الخاطئة؟

أولا: يجب الوعي والتعرف على الاكل الصحي والاكل الضار من خلال القراءة او مشاهدة المواد العلمية على مواقع الانترنت.

ثانيا: فهم ما يخبرك به جسمك فالشعور بالخمول والكسل وزيادة الوزن وتناول كميات كبيرة من الطعام في فترة زمنية محددة، مثلًا خلال ساعتين وتشعر بأن سلوكك في تناول الطعام خارج عن السيطرة كلها رسائل من جسمك تبلغك انه قد حان الوقت لتنظيم تناول او الامتناع تماما عن الطعام.

ثالثا: اتباع حمية غذائية مجربة مع الحرص على عدم حرمان الجسم من العناصر الضرورية من البروتين والفيتامينات والمعادن من مصادرها الطبيعية كالفاكهة والخضروات والتأكد ان الجسم يحصل على الطاقة من الدهون المخزنة في الجسم وليس من بروتينات الكتلة العضلية.

رابعا: الابتعاد عن كل ما هو مصنع ومحفوظ في علبة معدنية او بلاستيكية وتناول المأكولات الطبيعية والطازجة.

خامسا: تعدد اهتمامات الانسان وممارسة الرياضة والهوايات المختلفة وعدم اعتبار الطعام هو المتعة الوحيدة في الحياة.

سادسا: لا تحرم نفسك مما ترغب من الطعام ولكن تناوله باعتدال وحكمة.

سابعا: إذا كان عملك مريحا ولا يحتاج الى مجهود عضلي فمن الأفضل عدم استخدام سيارتك عند الذهاب للعمل ومارس رياضة المشي.

الملخص

إذا كنت تملك ملايين الدولارات ولكنك تعاني من مشاكل صحية فسوف تحرم من الاستمتاع بحياتك فاغلي ما يملكه الانسان هو صحته وعافيته فلا نفرط فيها بسبب النهم والشره في تناول الطعام.الغذاء نعمه كبيرة من الخالق سبحانه وتعالى ونبهنا في كتابه الكريم (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ) أي نتأمل طعامنا ونعلم انه رزق من الله ساقه الينا ونحرص على ان يكون طعاما حلالا وصحيا ولا نفرط في استهلاكه كما في الحديث الشريف (مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ).